أن تمسك امرأة قلماً و توقع وثيقة زواجها من رجل لا تعرفه و لا تحبه هو أمر عادي يتقبله المجتمع , بل و يباركه..... أن تمسك امرأة قلماً و ورقة لتكتب طلبات البيت من خضار و لحوم و غيره فهذا من أبسط واجباتها كزوجة صالحة..... و لكن ما إن تمسك المرأة بقلم و تكتب عن أحاسيسها و عن همومها حتى تنقلب حياتها الاجتماعية إلى كابوس يلاحقها أينما تذهب!
و تبدأ الوجوه اللوامة بمحاصرتها بنظرات صريحة من الاستغراب الذي ينتهي بتساؤل عقيم: "ما جدوى الكتابة؟ و هل ستغيرين المجتمع بكتاباتك؟" و تلاحقها خناجر تقول: "بيتك أبرك لك!! دعيكِ من هذا الكلام الفاضي!!!"
ثم تبدأ أعين التشكيك بالغرس في مدى تطبيقها لما تكتبه في حياتها الخاصة و مدى نجاحها كأم و زوجة و هي الكاتبة الناصحة و المصلحة المزعومة!
و يزداد الألم انغراسا في نفسها عندما تتهم في أخلاقها من أجل الكتابة!! كيف و لماذا تُنشَر أعمالها دونا عن باقي النساء؟ لابد أنها تعرف الصحفي فلان و "تساير" رئيس التحرير الفلاني و تصاحب الكاتب الفلاني ..... لابد أنها تكشف وجهها و ما دونه لتلفت النظر و تنال الإعجاب و الشهرة! هي ليست مفكرة و لا هي بالكاتبة الجيدة, هي مجرد (أنثى) ذات حضور غير فكري و قلم مائج يكتب ما يعجب الرجال!
لذلك نجد هناك من تكتب خفية عن أهلها أو زوجها, و هناك من تكتب باسم مستعار من أجل أن "تلم" الفضيحة! وهناك من تفعل أي شيء لكي لا تُحرم من نعمة تنفس القلم و الورق و حرية الوجود!! و لا تنتهي المقاومة إلا عندما تجد الكاتبة نفسها في دوامة من الإحساس "بذنب" الحروف وما تعبر عنه من مشاعر و بذنب التستر خلف اسم مستعار و في خوف من أن يُكتشف أمرها!
و يموج بها الحزن أكثر و هي ترى أنها فعلا كما قالوا – لا هي أصلحت المجتمع و لا هي طبقت كل ما تكتبه!
حينها فقط.... تصبح الكتابة لعنة, و الفكر نقمة, و المشاعر عار!
و لا عزاء للكاتبات الغارقات في قيود المجتمع "المتصنِع" و حباله السامة و تحفظاته الواهية!!